أيّ بُنَـيَّ: خُـذْ عَنّـِي بعضاً منِّـي ...

Share:


أيّ بُنَـيَّ: خُـذْ عَنّـِي بعضاً منِّـي ...
أي بُني:
لا تشرب الماء إلا علاًّ.
ولا ترد طعاماً أُكل منه.
ولا تلبس قميصاً لبسه غيرك.
ولا تساكن فخوراً، ولا خوَّاناً ولا أثيماً.
ولا تُصاحب جباناً، ولا بخيلاً، ولا جحوداً.

ولا تجالس من يرى لنفسه فضلاً عليك، ولا ممارياً غثَّ الحديث، ولا ثقيلا تستمسج كلامه،
ولا مفاخراً بفعال غيره، ولا ودوداً بأهل المعاصي، ولا باراً بأخلاءِ السوءِ، ولا لاتَّاً بمغراف غيره،
ولا عائباً على الناس ما لا يراه فيه وهو الأحقُّ به، ولا حائماً حول أعراض الناس بمكاره اللسان،
ولا مُنَقِّباً عن عيوب الآخرين، وعيوبك لو وُزِّعت عليهم لكفتهم، ولا تتمنَّ نعمةً أصابها حاسرٌ.
أي بُني:
1- اعلم وقاك الله السوء أن من الناس من إن تحرص على إدنائه أعرض عنك، وإن حرصت على إقصائه أقبل عليك.
2- ومن الناس من إذا شام منك تواضعاً استكبر عليك. ومن إن رأى منك ما يظنُّه استكباراً كان كالعبد بين يديك.
3- ومن الناس من إذا أحسنت إليه حسبك راهباً منه، ومن إذا أسأت إليه ظنك راغباً فيه.
4- ومن الناس من لا يستقيم أمره إلا والعصا تقرع رأسه، ومنهم لا يستقيم أمره إلا بنظرة ودادٍ تخالط نفسه.
5- ومن الناس من إذا رأى منك ابتسامةً تمرَّد عليك، ومنهم من إذا أدمت العبوس في وجهه أدام الخضوع عند قدميك.
أي بُني:
ارتضع رمال البيد العطاش، وانهل من ثرى الصحارى الغارقة في الجدب والظلام، ولا تفلت حبل الثريا من يدك من يأس، فإنك إن تفعل، فقد أدنيت نفسك من مصرع الرجاءِ الآفل،
واحتطب لحنيذك من أطراف الشمس، وامضغ الصَّبر بشوكه، ولا تعدل عن روائع الموت الآزفة بالنقيع، وأرِشْ سهمك لتفَوِّقه إلى حلوق الخطوب إن رامتك بضراءَ بيد الظلم الشَّثنة،
ومدَّ بصرك إلى الآفاق الراعشة بذوامر القنوط فأبطل كيدها أن تُصيب به نفوس البائسين المستضعفين.
وإياك أي بُني أن ترمي بسهمك إلا في حلق صيد يكافِئُه، فإن اخطأت أو نسيت، فأنالك بخطئك أو بنسيانك صيداً غير مكافئٍ فدعه، طيِّبةً به نفسك للمهازيل، المبلَّلة ألسنتهم بلعابِ الأطماع الرخيصة.
ولا تغذُ نفسك بعسلٍ إلا أن يكون من رؤُوس الشامخات الراسيات، ولا تشرب الماءَ إلا من أثداءِ المزن المعصرات العاليات، ولا تبحث عن علف فرسك إلا في طلع أشجار النخيل الباسقات.
أي بُني:
إن خيِّرت بين أن تشرب كأس المنيَّة مدهوقةً عزةً، وبين أن تشرب كأس الحياة يخالطها بعض يسيرٌ من الذِّلة، فاشفع الأولى منهما بثانيةٍ، وأنت مبتهجٌ جذلان،
ومرِّغ جبهتك بالصخور الصلدة الخشنة في يسيرٍ من الطاعة، تلقى بها ربك إن أوثقتك المنيَّةُ إليها، واحذر أن تمسَّ ناعم الحرير في معصيةٍ، فينتهبك الموت وأنت في لذتها الماتعة،
ولا تنتعل إلا جلود السباع العاديات، ولا تطعم إلا من أجواف الكواسر الراعبات، ولا تصحب إلا الصقور في قممها العاليات.


محمد إبراهيم شقرة